الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة في مدينة وجدة

وجدة يوم 18/03/2003

"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
رعايانا الأوفياء سكان المنطقة الشرقية،
يطيب لنا ونحن نلتقي مع القوى الحية لهذه الجهة العزيزة علينا أن نعرب لسكانها عن تأثرنا البالغ لما لمسناه لديهم من حفاوة وولاء ومن خصال الإباء والغيرة الوطنية التي جعلت من هذه المنطقة الدرع الواقي لحوزة الدولة المغربية عبر تاريخها المجيد.
وقد أتاح لنا الوقوف الميداني على أحوالكم أن نلمس عن قرب حاجياتكم الملحة وانشغالاتكم الحقيقية، التي هي من صميم انشغالاتنا، وموضوع عنايتنا الفائقة.
وتجسيدا لعنايتنا السامية بهذه المنطقة، ذات الإمكانات الهامة والموءهلات البشرية المتميزة بالإرادة القوية والجدية في العمل فقد قررنا اتخاذ مبادرة ملكية لتنمية الجهة الشرقية مرتكزة على محاور أربعة تهدف إلى تحفيز الاستثمار والمقاولات الصغرى والمتوسطة للشباب وتزويد الجهة بالتجهيزات الأساسية وإعطاء الأولوية لمشاريع اقتصادية هامة فضلا عن النهوض بالتربية والتأهيل وتفعيل التضامن معتمدين آليات للتمويل والمتابعة والتقييم في التفعيل الملموس لمبادرتنا.
وسعيا منا للتخفيف من بطالة فئات من شباب الجهة ولتوفير وسائل العمل والتشغيل الذاتي فقد قررنا أن تنطلق هذه المبادرة بتخصيص ثلاثين مليارا من السنتيمات تضاف إليها مساهمات عدة موءسسات لتمويل مشاريع المقاولات وضمان القروض الممنوحة لها على أن يقوم المركز الجهوي للاستثمار بمهمة الإشراف على هذه العملية.
وإننا لنوجه حكومتنا في إطار هذه المبادرة لتجعل ضمن أولوياتها إنجاز البنيات الأساسية التحتية الضرورية للجهة كالطريق السيار بين فاس ووجدة عبر تازة والسكة الحديدية بين تاوريرت والناظور مع الاسراع بانجاز الطريق الساحلي الشمالي وتوسيع وإصلاح الطريق الرابط بين الناظور ووجدة وفكيك.
كما أعطينا انطلاقة المشروع الكبير لتزويد مدينتي وجدة وتاوريرت بالماء الشروب، داعين الجهات المختصة إلى تعميمه على جميع حواضر وبوادي هذه الناحية.
وحرصا منا على التنمية المندمجة لهذه الجهة، فقد قررنا إحداث منطقة حرة بالناظور تضم إلى جانب الميناء مناطق اقتصادية وتجارية وصناعية وسياحية مستهدفين من هذا المشروع الهام فتح بوابة متوسطية أمام تنمية الجهة الشرقية فضلا عن إسهامها في النهوض بالاقتصاد الوطني وتعزيزها للمركب الضخم لطنجة المتوسط. وبذلكم نستكمل مشروعنا الاستراتيجي الرامي إلى جعل المجال المتوسطي رافعة قوية للإقلاع التنموي الوطني وللشراكة الاقتصادية والتفاعل الحضاري.
وفي نفس السياق كان قرارنا بتهيئة المنطقة الساحلية للسعيدية بمساهمة صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية موءكدين لضرورة العمل الجاد والاحترافي لجلب الاستثمار الوطني والأجنبي حتى تصير السعيدية جوهرة الساحل المتوسطي.
وفضلا عن ضرورة القيام بالاستثمار الأمثل للموءهلات والمنتوج الفلاحي المتميز للمنطقة، بتحديثه وتصنيعه، فإنه يتعين وضع برنامج لتنمية وحماية النجود والواحات، في كل من عين بني مطهر وبوعرفة وفكيك ومدينة جرادة التي حرصنا على إدراجها واستفادتها من برامج وكالة تنمية الأقاليم الشمالية تجسيدا لعطفنا الملكي الفائق عليها.
وتأهيلا للموارد البشرية اللازمة للتنمية الجهوية قررنا إحداث كلية للطب ذات مركز استشفائي جامعي تعزيزا للموءسسات الجامعية ومعاهد التكوين بهذه الناحية مستهدفين من كل هذه البرامج الطموحة تكريس الدور الريادي لمدينة وجدة العريقة كعاصمة للجهة الشرقية.
أما في المجال الاجتماعي فإن مبادرتنا تولي فائق الاهتمام للفئات المعوزة. وإننا لندعوكم للتشبث بقيم التكافل المعهود فيكم موجهين موءسسة محمد الخامس للتضامن لبذل المزيد من الدعم للأعمال الخيرية وعقد مختلف أشكال الشراكة مع النسيج الجمعوي المحلي الذي ننوه بمجهوداته في هذا الشأن.
كما أننا نحث القوى الحية لهذه الجهة على بذل المزيد من العناية للنهوض بمنطقتهم، والانخراط في المجهود الجماعي التنموي والتضامني الذي نقوده لمحاربة الفقر والتهميش وكل نوازع التطرف التي لا مكان لها في مجتمعنا المتميز بأصالته وانفتاحه الحضاري. وإننا لنعول عليكم لجعل هذه المبادرة بمثابة التزام مشترك بيننا حتى تتبوأ هذه المنطقة المكانة المرموقة التي نريدها لها، كقطب محوري مغاربي وجسر متين لحسن الجوار والأخوة الصادقة مع الشعب الجزائري الشقيق الذي نتمنى له كل الخير لما يجمعنا وإياه من روابط التاريخ وتحديات الحاضر وتطلعات المستقبل.
وإننا لعازمون من خلال هذه المشاريع الطموحة على أن نوفر لوطننا العزيز المزيد من أسباب القوة والمناعة التي يجب أن تظل شغلنا الشاغل في عالم مشحون بشتى المخاطر والتحولات. وتلكم سبيلنا القويم الى المضي قدما في البناء الجماعي لمغرب موحد متقدم وديمقراطي ومتضامن وأكثر قدرة على رفع كل التحديات.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".