نص خطاب جلالة الملك الموجه إلى القمة العربية الإفريقية الثالثة المنعقدة بالكويت

الكويت يوم 20/11/2013

في ما يلي نص الخطاب الملكي الذي تلاه السيد عبد الاله ابن كيران رئيس الحكومة الذي مثل جلالة الملك في هذه القمة :
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
 
صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح،
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،
أصحاب المعالي والسعادة،
 
يطيب لنا، في البداية، أن نعرب لأخينا صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، عن صادق تشكراتنا على حسن استضافة هذه القمة الهامة في دورتها الثالثة، واثقين بأنها ستساهم في خلق روح جديدة للشراكة العربية الإفريقية، على أسس قوية وواضحة تفسح المجال للتنسيق السياسي والتعاون والاندماج الاقتصادي بين مجموعتينا الإقليميتين.
لقد انخرطت المملكة المغربية، منذ انعقاد القمة العربية الإفريقية الثانية، سنة 2010 ، بشكل كلي وجاد ، في مقاربة شمولية لإعادة إحياء شراكتنا، في احترام كامل للمقومات السيادية والثوابت الوطنية لبلداننا. كما عملت على تعزيز دورها الفاعل في توفير شروط نجاح هذه القمة واستمرارها، وكذا دعم آلياتها ووسائلها لتصبح رافدا مهما من روافد التعاون الإفريقي العربي.
أصحاب الجلالة والسمو والمعالي،
 
إذا كانت القواسم المشتركة، التي تجمع بلدان المجموعتين تفرض عليها ، بشكل تلقائي، أن تكون موحدة الصف والكلمة، وفاء لانتماءاتنا الثقافية وموروثنا الروحي والحضاري، فإن لقاءنا اليوم، يتم في إطار ظرفية دقيقة تعيشها منطقتنا بالخصوص وتخاطب فينا، أكثر من أي وقت مضى، روح التلاحم والتضامن لتدعيم هذه الشراكة الطبيعية وتمكينها من رفع التحديات الكبرى وغير المسبوقة التي تواجهنا جميعا على شتى المستويات، الاقتصادية والأمنية والتنموية، وكذا لمواكبة المتغيرات التي تفرضها الظرفية العالمية.
 
ومن هذا المنطلق، لا يسعنا ، ونحن نستعد للاحتفال باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، إلا التنويه بموقف الدول الإفريقية الثابت إزاء قضيته العادلة. فقد ظلت هذه الدول داعمة لحق الشعب الفلسطيني المشروع في استرجاع كافة أراضيه المحتلة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وهو ما تأكد خلال التصويت على منح فلسطين الشقيقة صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة.
 
وإذ نجدد تشبثنا بمبادرة السلام العربية، التي نعتبرها خيارا استراتيجيا لإيجاد تسوية ممكنة ومقبولة لهذا الصراع، فإننا نؤكد على ضرورة تحمل المجموعة الدولية لمسؤوليتها، وذلك لحمل إسرائيل على وضع حد لأنشطتها الاستيطانية اللا مشروعة، والكف عن تماديها في أعمالها الاستفزازية وحثها على التجاوب الإيجابي مع الدينامية الجديدة للمفاوضات الجارية.
أما بالنسبة للمأساة التي يعيشها الشعب السوري الشقيق، والتي نتابع بقلق عميق نزيفها الدموي الرهيب وسقوط ضحاياها الأبرياء، لاسيما من النساء والأطفال، فإن المملكة المغربية لم تدخر أي جهد للمساهمة مع شركائها العرب والدوليين، للدفع بكل الأطراف نحو انتقال سياسي يحترم الوحدة الترابية والوطنية للبلاد.
 
أصحاب الجلالة والسمو والمعالي،
إن بلداننا، من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، ومن البحر المتوسط إلى خليج غينيا ومنطقة إفريقيا الوسطى، باتت مهددة، لاسيما من فقدان حدودها للمناعة ضد الاضطرابات السياسية والتحديات الأمنية، فضلا عن تداعيات التقلبات المناخية.
فقد انتشرت بؤر التوتر في أكثر من بقعة، حيث وجدت في الفقر والهشاشة مجالا خصبا لانتشار القرصنة وتهريب الأسلحة والمخدرات والأشخاص. وهو ما ساعد على استفحال نزوعات التطرف والإرهاب وانتشار الإيديولوجيات الظلامية، التي لا يمكن محاربتها ولا الحد من اتساع تأثيرها إلا بتضافر الجهود وتعبئة وسائل الدفاع والتصدي لها بكل حزم.
 
وفي هذا الصدد، يجب التذكير، مع الأسف الشديد، بأن منطقة الساحل والصحراء أضحت مرتعا خصبا للجماعات الإرهابية والمتطرفة، مما يستوجب تضافر الجهود من أجل تحصينها، والعمل على جعلها فضاء للسلم والازدهار.
ولهذه الغاية، لا بد من توفير الظروف الملائمة لإقامة سلام شامل بالمنطقة وضمان الأمن والاستقرار لساكنتها والنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة. ولن يتأتى ذلك إلا بالتعبئة الشاملة لكل وسائل الدفاع والرد الاستراتيجية، وكذا توفير كل أسباب التنمية الشاملة، بما يحقق التكامل الضروري بين الأمن والتنمية.
 
ومن هنا، فإننا نعتقد أن التجمعات الجهوية تشكل الإطار الأمثل للرد على كل هاته التهديدات، ونخص منها بالذكر المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية، الذي يحظى المغرب فيها بصفة عضو مراقب، وكذا تجمع دول الساحل والصحراء الذي ستنعقد قمته المقبلة في المملكة المغربية.
لذا، فإننا ندعو إلى تضافر جهود الجميع من أجل تطوير آليات ووسائل هاتين المجموعتين الإقليميتين، بما يضمن تحقيق اندماج جهوي ناجع.
 
غير أن ما يبعث على الأسف، حالة الجمود المؤسساتي التي يمر بها اتحاد المغرب العربي، الذي لم يتمكن ، حتى اليوم ، من لعب الدور المنوط به سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، رغم كونه يحاذي منطقة الساحل والصحراء ويواجه نفس المخاطر والتحديات.
وفي نفس السياق، فإن المملكة المغربية، التي ظلت تدافع باستمرار عن سيادة دولة مالي، تسجل بكل ارتياح، نجاح الاستحقاقات الرئاسية الشفافة، وذات المصداقية في هذا البلد الشقيق، الذي يلتزم المغرب ببذل كل الجهود لدعم مساعيه الرامية لتعزيز السلم وتحقيق المصالحة وترسيخ ثوابه الروحية والدينية وإعادة الإعمار.
 
أصحاب الجلالة والسمو والمعالي،
إن الموقع الجغرافي للمغرب، يجعله يضع القارة الإفريقية، التي تشكل أحد جذوره العميقة، في صلب سياسته الخارجية. كما يسعى إلى تسخير علاقاته وشراكاته في سبيل مد جسور التقارب والتعاون بين أشقائه الأفارقة، يحدوه في ذلك طموح واقعي وواعد، لإنجاز مشاريع مشتركة ومتنوعة تهم شتى المجالات الحيوية وتدعمها الصداقة الراسخة والثقة المتبادلة، التي تربط دولنا العربية بالبلدان الإفريقية الشقيقة.
 
ومن هذا المنطلق، قطعت المملكة المغربية أشواطا هامة، في تعاونها مع أشقائها جنوب الصحراء. وما الزيارات المتعددة التي قمنا بها لعدد من البلدان الإفريقية، إلا دليل على رغبتنا الأكيدة في إعطاء دينامية جديدة لعلاقاتنا مع هذه الدول الشقيقة، وتجسيد لروح التعاون جنوب-جنوب، خاصة في مجالات التنمية البشرية، وتطوير المبادلات التجارية والنهوض بالاستثمارات.
وفي هذا الصدد، أنجز المغرب مشاريع ملموسة وطموحة، همت مجالات متعددة، كتكنولوجيا الاتصال والمعلومات والتنمية البشرية، وتقاسم المعرفة والخبرات والتكوين الجامعي، والزراعة والصحة والماء والطاقة، فضلا عن إنجاز مشاريع إنتاجية تروم توفير ظروف العيش الكريم للمواطن الإفريقي، إلى جانب الرفع من حجم مبادلاته الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع دول القارة.
وإننا، لعازمون كل العزم، بعون الله، على مواصلة هذه المجهودات، من أجل تقوية التعاون الثنائي مع دول إفريقيا جنوب الصحراء وتوسيع مجال الشراكات الجهوية، خدمة لتنمية بشرية شاملة وبناءة.
 
أصحاب الجلالة والسمو والمعالي،
إيمانا منا بوحدة المصير، وبضرورة تشجيع تعاون عربي إفريقي مثالي وفعال، فإننا نتطلع إلى أن تتمكن قمتنا من توسيع آفاق التعاون بين المنطقتين، من أجل تنفيذ وتطوير مخططات تنموية محلية، مع تغليب منطق الحكامة الجيدة والرؤية الشمولية، وإشراك القطاع الخاص والمجالس والهيئات المنتخبة والنخب الفكرية وفعاليات المجتمع المدني، في مسلسل التنمية بالقارة الإفريقية.
 
ولا يخامرنا شك، في أن هذه القمة تشكل منعطفا حاسما في مسار التعاون الإفريقي-العربي، على درب إرساء أسس شراكة متينة ومثمرة، من خلال تطوير وتنفيذ خطة عمل 2011-2016 للشراكة الإفريقية العربية، والتي تهدف إلى تعزيز التبادل التجاري بين مجموعتينا، إضافة إلى تسهيل انتقال البضائع والخدمات ورؤوس الأموال بين المنطقتين.
كما أن النجاح الذي نرجوه لشراكتنا، لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الالتزام التام بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية، التي تحكم العلاقات بين الدول، والمبنية أساسا على احترام سيادة الدول ووحدتها الوطنية والترابية.
 
وفي الختام، أود التأكيد، مرة أخرى، على حرص المغرب على إنجاح دينامية التعاون والتبادل التي أطلقتها قمتنا، للرقي بنتائجها إلى مستوى طموحات وآمال شعوبنا. وهو ما يقتضي منا تجاوز كافة الخلافات والمعوقات الظرفية، وإشاعة جو من التلاحم والتكامل، يعكس رغبتنا الأكيدة في تحسين ظروف العيش لشعوبنا وتحسيسها بجدوى انتمائها لمحيطها العربي الإفريقي، في تحقيق التنمية والعيش الكريم.
 
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".