الرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة إلى المشاركين فـي الاجتمـاعـات السنـويـة المشتـركـة للهيئـات المـاليـة العـربيـة المنعقدة بمراكش

مراكش يوم 17/04/2012

في ما يلي نص الرسالة الملكية التي تلاها في الجلسة الافتتاحية لهذه التظاهرة  السيد نزار بركة وزير الاقتصاد والمالية:
 
 
"الحمـد لله وحـده، والصـلاة والسـلام علـى مولانـا رسـول الله وآلـه وصحبـه.
أصحـاب المعـالـي والسعـادة،
حـضـرات الـسـيـدات والـسـادة،
 
إنـه لمـن دواعـي الاعتـزاز، أن نتـوجـه إلـى المشـاركيـن فـي الاجتمـاعـات السنـويـة المشتـركـة للهيئـات المـاليـة العـربيـة لعـام 2012، التـي أضفينـا عليهـا رعـايتنـا السـاميـة، تقـديـرا منـا للـدور الـذي تضطلـع بـه فـي دعـم التنميـة الاقتصـاديـة والاجتمـاعيـة فـي الـوطـن العـربـي وتعـزيـز مسـار العمـل العـربـي المشتـرك.
ويسـرنـا أن نـرحـب بضيـوف المغـرب الكـرام، أصحـاب المعـالـي والسعـادة، رؤسـاء وأعضـاء الـوفـود المشـاركـة فـي هـذا الملتقـى الهـام، الـذي ينعقـد بمـدينـة مـراكـش الحمـراء، والـذي تتشـرف المملكـة المغـربيـة بـاحتضـان أشغـالـه للمـرة الـرابعـة.
 
ذلـك، أننـا نعتبـر الهيئـات المـاليـة العـربيـة، رافعـة أسـاسيـة لتطويـر التعـاون والتكـامـل بيـن الأقطـار العـربيـة الشقيقـة، وتحقيـق الاندمـاج الاقتصـادي المنشـود، في عصـر التكتـلات الإقليميـة والدوليـة. وهـو مـا سيمكـن بلـداننـا مجتمعـة، مـن رفـع التحـديـات التنمـويـة ومـواجهـة تـداعيـات الأزمـة المـاليـة والاقتصـاديـة العـالميـة. 
 
 
أصـحـاب المـعـالـي والسـعـادة،
 حـضـرات السـيـدات والـسـادة،
 
لا يخفـى عليكـم، أن اجتمـاعـاتكـم تنعقـد اليـوم، فـي سيـاق ظـرفيـة إقليميـة ودوليـة استثنـائيـة، تتميـز بتطـورات متـلاحقـة، مـن  جـراء مـا تشهـده منطقتنـا العـربيـة مـن تحـولات عميقـة، فـي تفـاعـل مـع تطلعـات وانتظـارات شعـوبهـا ومـواطنيهـا، بالإضـافـة إلـى الانعكـاسـات السلبيـة للأزمـة العـالميـة، علـى الأوضـاع الاقتصـاديـة والاجتمـاعيـة والمـاليـة بـوطننـا العـربـي.
كمـا أن هـذا الملتقـى الهـام، يلتئـم فـي ظـل انبثـاق نظـام اقتصـادي عـالمـي متعـدد  الأقطـاب، يتميـز بـالتنـافسيـة القـويـة والتـأثيـر المتـزايـد للاقتصـاديـات الصـاعـدة وللقطـاع الخـاص.
 
إن هـذا الـواقـع الجـديـد، يستـوجـب انتهـاج حكـامـة اقتصـاديـة ومـاليـة جـديـدة، والرفـع مـن تنـافسيـة اقتصاديـاتنـا، بمـا يمكنهـا مـن تبـوئ مكـانـة فـاعلـة فـي إطـار التقسيـم الـدولـي الجـديـد للعمـل، والمهـن العـالميـة الجـديـدة. وهـو مـا يقتضـى تطـويـر منظـومـات الابتكـار والبحـث العلمـي والتكنـولـوجيـات الحـديثـة، والمـلاءمـة بيـن التكـويـن والتشغيـل.

كمـا ينبغـي العمـل علـى اعتمـاد مقـاربـات إراديـة، وجيـل جـديـد مـن الإصـلاحـات الاقتصـاديـة، مـن أجـل إيجـاد حلـول مبتكـرة وواقعيـة، جـديـرة بالتفـاعـل الإيجـابـي مـع العـولمـة، وبـالتصـدي لتقلبـات الظـرفيـة العـالميـة، ومعـالجـة الإشكـاليـات الكبـرى، كـالفقـر والهشـاشـة، وتـوفيـر الأمـن الغـذائـي، ونـدرة المـاء، والتغيـرات المنـاخيـة، فضـلا عـن إشكـاليـة تحـرر التجـارة واختـلال الأسـواق المـاليـة  العـالميـة.
 
ولهـذه الغـايـة، يتعيـن علـى الهيـآت والمـؤسسـات المـاليـة العـربيـة، تبنـي مفهـوم جـديـد للنمـو يتـوخـى إدمـاج كـل الفئـات الاجتمـاعيـة، ولاسيمـا منهـا الشـرائـح التـي تعـانـي التهميـش والإقصـاء، ويستهـدف التـوزيـع الأمثـل لثمـاره، مـن خـلال تـوفيـر الشغـل، وخـاصـة لفـائـدة الشبـاب، والسكـن والخـدمـات الصحيـة والتعليميـة للجميـع، مـن أجـل ضمـان أسبـاب العيـش الكريم للمواطن العـربي.
 
ونغتنـم هـذه المناسبـة، لنـؤكـد علـى الـدور المحـوري لمؤسسـاتكـم فـي التجسيـد الملموس لـوشـائج الأخـوة العـربيـة التي تجمع شعـوبنـا الشقيقـة. بفضـل تمـويلهـا لمشـاريـع التنميـة المشتركة التي تنعكس إيجابا عـلى المـواطـن العـربـي بتمكينـه مـن أسبـاب العيـش الكـريـم، فـإن هيـآتكـم تضفـي مـدلـولا ملمـوسـا علـى العـمـل العـربـي المشـتـرك وتقـويـه بـدعـامـة عصـريـة، ألا وهـي دعـامـة الاقتـصـاد والتنمـيـة.
 
وهـو مـا يجعـل هـذه الهيئـات مـدعـوة إلـى تكثيـف أنشطتهـا وتسخيـر كـل طـاقـاتهـا وإمكـانـاتهـا، لمـواكبـة جهـود الـدول العـربيـة فيمـا يخـص تمـويـل البـرامـج الاقتصـاديـة والاجتمـاعيـة، عبـر وضـع آليـات جـديـدة فـي مستـوى التحـديـات المطـروحـة أمـام بلـداننـا، فـي سبيـل تحقيـق الأمـن الغـذائـي والنجـاعـة الطـاقيـة وتـوفيـر المـاء الشـروب والـوقـايـة مـن مخـاطـر التغيـرات المنـاخيـة ؛ وكـل ذلـك فـي نطـاق تنميـة بشـريـة مستـدامـة ومتـوازنـة.
 
وفـي هـذا الصـدد، نـود التـأكيـد علـى أهميـة قيـام الهيئـات المـاليـة  العـربيـة بتشجـيـع إقـامـة المشـاريـع العـربيـة، ذات البعـد  الانـدمـاجـي والإقليمـي، للمسـاهمـة بفعـاليـة، فـي ورش التكـامـل الاقتـصـادي المنـشـود بيـن أقـطـار وطنـنـا العـربـي، مـع التـركيـز علـى المشـاريـع الإنمـائيـة العـربيـة المشتـركـة، وبالأخـص مشـاريـع البنيـة التحتيـة التكـامليـة، كالربـط الكهـربـائـي والبـري والسككـي والبحـري والشبكـات الـرقميـة والمشـاريـع الـزراعيـة، لضمـان الأمـن الغـذائـي، وتـدبيـر المـوارد المـائيـة والطبيعيـة، وتحقيـق التنميـة المستـدامـة.
 
وفـي صلـب هـذا التـوجـه، تتـزايـد ضـرورة تحسيـن منـاخ الأعمـال، وتشجيـع القطـاع الخـاص ؛ بـاعتبـاره محـركـا أسـاسيـا للنمـو والتنميـة، ومنتجـا للثـروات، خـاصـة المقـاولات الصغـرى والمتـوسطـة، التـي تلعـب دورا محـوريـا فـي خلـق فـرص الشغـل.
وإننـا إذ نسجـل، بكـل تقـديـر واعتـزاز، الجهـود المهمـة التـي مـا فتئـت تبـذلهـا الهيئـات المـاليـة العـربيـة، فـي مجـال دعـم الاستثمـارات والتـدفقـات المـاليـة بيـن البلـدان العـربيـة، لنتطلـع إلـى مـواصلـة هـذه الجهـود عبـر زيـادة فـرص الاستثـمـار التشـاركـي العـربـي.
 
وفـي هـذا السيـاق، نعبـر عـن إشـادتنـا بعـلاقـات الشـراكـة النمـوذجيـة التـي تـربـط المغـرب بالمـؤسسـات المـاليـة العـربيـة ؛ متطلعيـن إلـى المـزيـد مـن التعـاون المثمـر مـن أجـل تطـويـرهـا، وخـاصـة بفضـل مـا يـوفـره المغـرب مـن منـاخ أنسـب لـلاستثمـار، ومـا أطلقـه مـن إصـلاحـات هيكليـة ومـن مخططـات استـراتيجيـة تنمـويـة طمـوحـة.
 
 
وانطـلاقـا مـن اقتنـاعنـا الـراسـخ بأن تقـدم أقطـارنـا ونمـاء شعـوبنـا الشقيقـة، لا يمكـن أن يتـم بمعـزل عـن محيطنـا الإقليمـي، فـإننـا نـؤكـد، بصفـة خـاصـة، علـى ضـرورة دعـم الجهـود التنمـويـة للبلـدان الإفـريقيـة وجعلهـا ضمـن أولـويـات العمـل العـربـي المشتـرك، الـذي نتطلـع إلـى أن يشكـل نمـوذجـا رائـدا للتعـاون جنـوب-جنـوب.
 
أصـحـاب الـمـعـالـي والـسـعـادة،
حـضـرات الـسـيـدات والـسـادة،
 
 
إن لقـاءكـم اليـوم، الـذي ينعقـد للنظـر فـي حصيلـة النشـاط التمـويلـي لمـؤسسـاتكـم، يشكـل فـرصـة سـانحـة لتـأمـل وتقييـم الجهـود المبـذولـة، فـي سبيـل تعـزيـز مسيـرة الانـدمـاج العـربـي واستشـراف آفـاقـه المستقبليـة، مـع الأخـذ بعيـن الاعتبـار حجـم ونـوعيـة التحـديـات الاقتصـاديـة والاجتمـاعيـة والتنمـويـة التـي تـواجههـا منطقتنـا العـربيـة.
 
وفـي هـذا الصـدد، نشيـد بعـزمكـم القـوي علـى مضـاعفـة الجهـود وتعبئـة المـزيـد مـن المـوارد والإمكـانـات، لكسـب رهـانـات التنميـة الاقتصـاديـة والاجتمـاعيـة، فـي سبيـل بلـوغ نمـو قـوي ومستـدام، يشـارك الجميـع فـي تحقيقـه وجنـي ثمـاره، ويضمـن التـوازنـات الاقتصـاديـة والمـاليـة المقتـرنـة بالحفـاظ عـلى الاستقـرار والتمـاسـك الاجتمـاعـي.
 
وإننـا لعلـى يقيـن، مـن أن اجتمـاعـاتكـم ستكـون مثمـرة، وبـأن مـا ستسفـر عنـه مـن نتـائـج، سيسـاهـم فـي تعـزيـز دور وفعـاليـة مـؤسسـاتكـم، لـرفـع التحـديـات التنمـويـة فـي منطقتنـا العـربيـة وتعميـق فـرص  الانـدمـاج والتكـامـل فيمـا بيـن بلـدانهـا، بمـا يخـدم مصـالـح شعـوبهـا الشقيقـة.
 
وإذ نجـدد التـرحيـب بكـم، فـي بلـدكـم الثـانـي المغـرب ؛ لنـدعـو الله تعالـى أن يـوفقكـم، ويكلـل جهـودكـم بـالنجـاح والسـداد.
  
والسـلام عليكـم ورحمـة الله تعـالـى وبـركـاتـه".