رسالة جلالة الملك الى المشاركين في الدورة الخامسة لملتقى تكاملات الاستثمار

الصخيرات يوم 13/12/2007

تلاها الوزير الاول السيد عباس الفاسي
  "الحمـد لله وحـده، والصـلاة والسـلام عـلى مـولانا رسـول الله وآلـه وصحبـه.
حضـرات السيـدات والسـادة،يطيب لنا أن نتوجه، مرة أخـرى، إلـى المشـاركيـن فـي ملتقـى تكـامـلات الاستثمـار، الـذي يشكـل منـاسبـة سـانحـة لتـأكيـد إرادتنـا القـويـة والمـوصـولـة عـلى تجـاوز العـوائـق، التـي تعتـرض الارتقـاء بالاستثمـارببـلادنـا، وعـلى تقييـم، مـا تـم تحقيقـه مـن مكـاسـب، واستشـراف الآفـاق المستقبليـة فـي هـذا الميـدان.
وإنـه لمـن دواعـي ارتيـاحنـا أن تتـدارس هـذه الـدورة، موضـوعـا يحمـل أكثـر مـن دلالـة، يتمثـل فـي الـدور الأسـاسي لمغـاربـة العـالـم بصفتهـم مستثمـريـن وفـاعليـن فـي الـدبلـومـاسيـة الاقتصـاديـة، فهـو يـؤكـد ثقـة الأمـة وتقـديـرها وعـرفـانها، لجـاليتنـا المقيمـة بالخـارج، عبـر امتـدادها الجغـرافـي، وتنـوع  أجيـالهـا وتعـدد مشـاربهـا المهنيـة. كمـا أن اختيـار هـذا المـوضـوع يشكـل إسهـامـا ثمينـا فـي المسـار الـواعـد نحـو إرسـاء المـؤسسـات التمثيليـة لهـذه الفئـة مـن مـواطنينـا، الأثيـرة لـدى جـلالتنـا.
وكمـا تعلمـون، فنحـن مقبلـون قـريبـا، إن شـاء الله، عـلى تنصيـب مجلـس استشـاري خـاص بالمغـاربـة المقيميـن بالخـارج، حـريصيـن عـلى تخـويـل هاتـه المـؤسسـة الجـديـدة اختصـاصات واسعـة، كفيلـة بـأن تجعـل منهـا قـوة اقتـراحيـة فعـالـة، تضطلـع بمختلـف القضـايـا والسيـاسـات العمـوميـة التـي تهـم مغـاربـة المهجـر، بمـا فـي ذلـك تنميـة الاستثمـار.
حضـرات السيـدات والسـادة،
يعتبـر المغـرب، ومنـذ القـدم، منطلقـا ووجهـة للهجـرة. كمـا أنـه أصبـح فـي الآونـة الأخيـرة، معبـرا لتـدفقـاتهـا. ولـم يفتـأ المغـاربـة، عبـر العصـور، يستحضـرون أهميـة تفـاعـل وتـلاقـح الثقـافـات والحضـارات وتـرابـط الاقتصـاد. كمـا أن سيـاسـة المغـرب فـي هـذا المجـال، ظلـت واضحـة وقـارة عـلى الـدوام. وإنـه لممـا يبعـث عـلى الارتيـاح كـون الجـاليـة المغـربيـة المقيمـة بالخـارج تعـد اليـوم، مـن بيـن الجـاليـات التـي تحظـى بالاحتـرام، والأكثـر دينـاميـة فـي بلـدان الاستقبـال. بـل ومـن أشـدهـا تعلقـا بـوطنهـا الأصـلي.
وفـي هـذا الصـدد، فـإننـا مـا فتئنـا ننـوه بـالـدور الفـاعـل والمتـزايـد، الـذي تقـوم بـه جـاليتنـا فـي تنميـة بلـدهـا. إذ أصبحـت فـاعـلا رئيسيـا فـي الإقـلاع الاقتصـادي والاجتمـاعـي الـوطنـي. وتـرسيخـا لهـذا النهـج، فـإننـا حـريصـون عـلى فتـح آفـاق جـديـدة للتـواصـل بيـن مختلـف مكـونـات أمتنـا وأبنـائهـا المقيميـن بالخـارج.
ونـود، بمنـاسبـة انعقـاد هـذا الملتقـى الهـام، أن نجـدد الإعـراب لكـل مغـاربـة الـعالـم حيثمـا كـانـوا، عـن تـرحيـب بلـدهـم بهـم واستقبـالهـم بكـل حـرارة، مهيبيـن بهـم إلـى الإسهـام فـي تنميتـه، والارتقـاء بعـلاقتهـم الاقتصـاديـة بـوطنهـم، مـن المنطـق التقليـدي القـائـم عـلى تحـويـل الادخـار، إلـى منطـق أكثـر نجـاعـة، ألا وهـو الاستثمـار، بـدافـع طمـوح استـراتيجـي الأبعـاد يتمثـل فـي تحقيـق التنميـة. وإننـا لنتطلـع إلـى أن تشمـل مشـاريعهـم ومبـادراتهـم المغـرب وبلـدان الاستقبـال، عـلى حـد سـواء. ولاسيمـا منهـا تـلك التـي تحتـل مكـانـة أسـاسيـة فـي العـولمـة، ولهـا دورهـا الـوازن فـي القـرارالاقتصـادي والتجـاري العـالمـي.
حضـرات السيـدات والسـادة،
إن مـواطنينـا بالخـارج يـدركـون اليـوم، وأكثـر مـن أي وقـت مضـى، أن مشـاريعهـم الاستثمـاريـة بالمغـرب لهـا مـردوديـة مـزدوجـة، سـواء تعلـق الأمـر بمـراكمـة رؤوس الأمـوال أو بتنميـة الرأسمـال البشـري. وذلـك لأن المغـرب يـوفـر،مـن جهـة، ظـروف وشـروط التنـافسيـة العـاليـة فـي مجـال الأعمـال والمشـاريـع، التـي هـم أحـق بالاستفـادة منهـا. كمـا يمكنهـم، مـن جهـة أخـرى، مـن فـرصـة متميـزة لتحقيـق طمـوحهـم، فـي الاستثمـار ببلـدهـم الأصلـي، بحيـث يكـونـون أكثـرنفعـا لـذويهـم ولـوطنهـم. وممـا لا شـك فيـه أن البعـد الـروحـي والعـاطفـي يظـل العنصـر الحـاسـم، فـي اختيـار مجـال الاستثمـار، مـن الاعتبـارات المـوضـوعيـة والمـاديـة. وإذا كـانـت حـوافـز هـذا الاستثمـار متعـددة، فـإن مـن مسـؤوليتنـا أن نـوفـر لـه أفضـل ظـروف الاستقبـال والتـوجيـه والتـأطيـر والمـردوديـة.
وكمـا لا يخفـى عليكـم، فحيثمـا كـان هنـالـك انخـراط قـوي لمـواطنينـا المقيميـن بالخـارج فـي تنميـة بلـدهـم الأصـلي، فـإن ذلـك يعنـي دائمـا تـوافـر ثـلاثـة عنـاصـر أسـاسيـة : طمـوح كبيـر وجـذاب، ومنـاخ مشجـع للإقـدام عـلى الاستثمـار، وآليـات للإسهـام فـي الحيـاة الـداخليـة للبلـد، فـي إطـارالمشـاركـة الـديمقـراطيـة والمـواطنـة. وهـي المقـومـات التـي تجتمـع كلهـا اليـوم، ولله الحمـد، فـي بـلادنـا.
ومـن هـذا المنطلـق، فـإن كـل طاقـاتنـا يجـب أن تـوجـه إلـى تـوفيـر الوسـائـل والآليـات الكفيلـة بانبثـاق جيـل جـديـد مـن الاستثمـارات للمغـاربـة المقيميـن بالخـارج، وخـاصـة فـي القطـاعـات الحيـويـة للاقتصـاد المغـربي، وذلـك فـي انسجـام مـع الأوراش الكبـرى للتنميـة الاقتصـاديـة والاجتمـاعيـة والمجـاليـة، المفتـوحـة عبـر ربـوع المملكـة.
وعـلاوة علـى المنافـع الماكـرو-اقتصـاديـة البـديهيـة، فـإن هـذه الاستثمـارات تشكـل رافعـة قويـة للاستثمار الأجنبـي، ودعامـة أساسيـة للدفـع قـدما بالاستثمـارالوطـني، وضمـان استمـراريتـه.
ولتحقيـق هـذه الغايـة، فإننـا ندعـو المغاربـة المقيميـن بالخـارج للمـزيـد مـن الاستثمـار فـي القطاعـات الواعـدة وذات القيمـة المضـافـة، فـي مجـالات الاقتصـاد، والمعـرفـة والتكنولـوجيـات العاليـة، علـى غـرار استثماراتـهـم المنتجـة فـي مياديـن السيـاحـة والفـلاحـة والصنـاعـة والعقـار. لاسيمـا وهـم يتـوافـرون علـى كفـاءات عـاليـة، حيثمـا كـانـوا، مـن علمـاء، وبـاحثيـن، ومقـاوليـن وخبـراء واقتصـادييـن، ممـا يجعلهـم جـديريـن بـوضـع تجـربتهـم وخبرتهـم فـي خدمـة وطنهـم الأم.
كمـا ننتظـر منهـم العمـل علـى الاستثمـار والانخـراط فـي العمـل الاجتمـاعـي وأوراش التنميـة البشـريـة، الهادفـة إلـى إدمـاج المواطنيـن فـي مجـالات خلـق الثـروات، وتحقيـق الرفـاه الاجتمـاعـي والتـربـوي والصحـي.
بيـد أنـه، إذا كان مـن حـق الأمـة أن تنتظـر الكثيـر مـن جـاليتهـا المقيمـة  بالخـارج، فـإن مـن واجبهـا بالمقـابـل، أن تعمـل علـى تيسيـر مهمتهـا، وأن تحتضنهـا بمـا تستحقـه مـن تكريـم وعرفـان، فـي مـراعـاة لخصوصيـاتهـا ووعـي تـام بتنـوع وضعيـاتهـا.
وذلكـم هـو البعـد الحقيقـي للميثـاق الرابـط بيـن الأمـة وبيـن أبنائهـا  المقيميـن بالخـارج، الـذي نحـن أشـد مـا نكـون حرصـا علـى ترسيخـه وتجسيـده فـي مختلـف المياديـن، التـي لهـم دور أساسـي فـي النهـوض بهـا.
حضـرات السيـدات والسـادة،
إننـا نتطلـع إلـى أن يكـون مواطنـونـا الأعـزاء المقيمـون والعـاملـون بالخـارج، وخاصـة منهـم ذوي الكفـاءات العـاليـة فـي الفعـل والتـأثيـر، بمثـابـة سفـراء ملتـزميـن لـوطنهـم الأم، وفـاعليـن نشطيـن فـي دبلومـاسيتنـا الاقتصـاديـة. ولنـا اليقيـن فـي أنهـم لـن يدخـروا جهـدا، فـي النهـوض بهـذا الواجـب الوطني، علـى المعهـود فيهـم من التعبئـة والغيرة الوطنيـة الصادقـة.ومـن ثـم، فـإن مغـاربـة العالـم لقـادرون، بإيمـان صـادق، علـى تجسيـد صـورة وإمكـانـات مغـرب متحـرك. كمـا أن بإمكـانهـم، وعبـر مختلـف الأنديـة والشبكـات المتـاحـة، أن يسهمـوا بفعـاليـة، فـي التحفيـز علـى الاستثمـارات والمبـادلات التجـاريـة والعلميـة والتكنـولوجيـة فـي اتجـاه بلـدهـم، وأنـه بمستطـاعهـم أيضـا، مـن موقـع التزامـاتهـم السيـاسيـة أو المهنيـة، أن يسهمـوا فـي الدبلـومـاسيـة الاقتصـاديـة المجـاليـة، وذلـك بعملهـم علـى تقـويـة التعـاون بيـن جهـات ومـدن الاستقبـال وبيـن جهـاتهـم الأصليـة.
وفضـلا عـن ذلـك، فـإن دورهـم يظـل أسـاسيـا فـي تعـزيـز الشـراكـات بيـن الفـاعليـن المنتجيـن والباحثيـن، أي بيـن الجـامعـات والمقـاولات الصغـرى أو الكبـرى، والتنظـيمـات المهنيـة، وكـذا مختلـف قنـوات التصـديـر والتـرويـج.
وفـي هـذا الإطـار، فإننـا نهيـب بسـائـر المـؤسسـات الـوطنيـة، ولاسيمـا جهـازنـا الدبلومـاسـي وكـل المنظمـات العـاملـة لفـائـدة الجـاليـة المغـربيـة المقيمـة بالخـارج، بـأن تضـاعـف جهودهـا، مـن أجـل جعـل هـذا التـوجـه الطمـوح لاقتصادنـا ومجتمعنـا واقعـا ملموسـا. ذلكـم أننـا نعتبـر الاستثمـار فـي المغـرب والنهـوض بـه فـي الخـارج، همـا، فـي منظورنـا عمليتـان متماثلتـان، تتطلبـان نفـس الدعـم والتثميـن.وإن أملنـا لكبيـر فـي أن تسهـم هـذه الـدورة لملتقـى تكامـلات الاستثمـار فـي المجهـود الجمـاعـي للتفكيـر والعمـل الملمـوس.
وإننـا إذ نرحـب بكـم فـي بلدكـم المغـرب، لندعـو الله تعالى لأشغـال ملتقـاكـم الهـام بكـامـل التوفيـق والنجـاح. والسـلام عليكـم ورحمـة الله تعـالى وبركاتـه ".