نص الرسالة الملكية إلى المشاركين في الملتقى الإفريقي الخامس للجماعات والحكومات المحلية

مراكش يوم 16/12/2009

( تلاها السيد محمد معتصم مستشار صاحب الجلالة )
 
  "الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
 
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
 
نود، في البداية، أن نعرب للمشاركين في أشغال الدورة الخامسة للملتقى الإفريقي للجماعات والحكومات المحلية، عن اعتزاز المغرب باحتضان هذه التظاهرة القارية الكبرى، من منطلق الوفاء الثابت لانتماء بلادنا لإفريقيا، والتزامها القوي بالقضايا العادلة لشعوبنا الشقيقة، في الوحدة والتضامن.
وقد أبينا أن نتوجه إليكم بالخطاب، اقتناعا منا بالدور المحوري للجماعات المحلية، كدعامة لتحقيق ما نتوخاه جميعا من مواطنة كريمة لكل مواطنينا، ومن تقدم اقتصادي واجتماعي لبلداننا، ومن وحدة وإشعاع دولي لقارتنا، ومن ترسيخ لتعاون جنوب-جنوب.
وفي هذا الصدد، ننوه باختياركم لموضوع "التدابير المعتمدة من لدن الجماعات والحكومات المحلية الإفريقية، لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية، عن طريق تطوير التنمية المحلية المستدامة وإنعاش الشغل".
وهو ما يجعل من هذا الملتقى الدولي الهام، فرصة سانحة لتقديم إجابات موضوعية وعملية، على التحديات والإكراهات، التي تواجهها الجماعات المحلية، ولاسيما الإفريقية منها، بفعل التداعيات السلبية للأزمة المالية والاقتصادية العالمية على البلدان النامية.
وإذا كانت هذه الأزمة قد ألقت بانعكاساتها الوخيمة على جميع بلدان المعمور، فإنها كشفت الحاجة الملحة للوظيفة الاستراتيجية للدولة المنظمة، والدور المحوري للجماعات المحلية، المرتكز على الحكامة الجيدة، وتطوير اللامركزية، في تلازم مع عدم التمركز الواسع، والعمل على بلورة برامج محددة للتنمية المحلية، ودعم جهود المجتمع المدني المحلي ؛ وذلك بموازاة مع إيجاد آليات فعالة للشراكة والتعاون الوطني والدولي.
 أصحاب المعالي والسعادة،
 إيمانا منا بنجاعة هذه الاختيارات، بادرنا منذ عدة سنوات، إلى اعتماد جملة من الإصلاحات المؤسسية العميقة، لترسيخ ديمقراطية القرب والمشاركة، وإطلاق وإنجاز مخططات ومشاريع تنموية كبرى، وطنية وجهوية ومحلية، تضع المواطن في جوهر عملية التنمية، وتقوم على سياسة تعاقدية وتشاركية، تنهض فيها الجماعات المحلية بدور أساسي.
ومن هذا المنظور، أطلقنا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، للنهوض بأوضاع الفئات والضواحي، بمختلف الجماعات الحضرية والقروية، التي تعاني مظاهر الفقر والتهميش.
وفي سياق ترسيخنا للديمقراطية المحلية، والحكامة الترابية الجيدة، فإننا نعتزم إقامة جهوية متقدمة، تشمل كافة مناطق المملكة، وفي طليعتها أقاليم الصحراء المغربية؛ مؤكدين تمسكنا بالمسار الأممي لتسوية النزاع الإقليمي حولها، على أساس مبادرتنا المقدامة للحكم الذاتي، في نطاق سيادة المملكة ووحدتها الوطنية وحوزتها الترابية.
هذه المبادرة المشهود لها أمميا بالجدية والمصداقية، اعتبارا لجوهرها الديمقراطي، المرسخ لحقوق الإنسان، وللتدبير الواسع من قبل أهلها وساكنتها لشؤونهم المحلية، فضلا عن بعدها الاستراتيجي، الهادف لتحقيق التنمية والاندماج المغاربي، وضمان الأمن والاستقرار بمنطقة الساحل والصحراء وشمال إفريقيا، وتحصينها من نزوعات البلقنة والتطرف والإرهاب.
وبانتهاج المغرب للامركزية موسعة، على صعيد المجالس الجماعية، الحضرية والقروية، وتوجهه لإقامة جهوية متقدمة، واقتراحه لمبادرة الحكم الذاتي؛ فإنه يؤكد أن تطوره الديمقراطي، يؤهله للإقدام على كل أنماط الحكامة الترابية، في إطار وحدة الدولة، وسيادتها على كامل ترابها الوطني.
 
 أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة ،
 
 إن المغرب، الوفي لمبادئ الأخوة والتضامن والوحدة الإفريقية، لحريص على أن يتبادل تجاربه وخبراته مع البلدان الشقيقة في قارتنا.
هدفنا السير قدما وبخط متواز بين رفع تحديات التوسع العمراني بالحواضر الكبرى، في إطار سياسة جديدة للمدينة، وحكامة جيدة لها، وبين كسب رهانات التنمية القروية المندمجة؛ بما يتطلبانه من تجهيزات أساسية ومرافق حيوية، ومن توفير شروط العيش الحر الآمن والكريم، في أحضان حواضر وبواد مفعمة بالتآلف الإنساني، والتضامن الاجتماعي، والثقافة الجماعاتية الراسخة في تقاليدنا الإفريقية،  وبما يقتضيه
الأمر من انتهاج لتنمية ترابية متوازنة، تضمن المقومات الأساسية للمواطنة، ولا مجال فيها للتمدين الهجين للبادية، ولا لتحويل المدينة إلى قرية كبيرة، أو منشآت إسمنتية عديمة الروح.
وإننا لنتطلع إلى أن يشكل هذا الملتقى الهام، محطة أساسية للعمل الجماعي المشترك، على تفعيل آليات التضامن والتعاون بين بلداننا الشقيقة، بما يسهم في تعزيز الديمقراطية المحلية، والحكامة الجيدة، والنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة لأجيالها الحاضرة والمقبلة. وذلك في نطاق احترام سيادة دولها ووحدتها الترابية، وصيانة أمنها واستقرارها، ومراعاة خصوصياتها وثوابتها.
وإننا على يقين، بأن التوصيات التي ستتخذونها في هذه القمة الإفريقية الكبيرة، بالنظر للشخصيات المرموقة المشاركة فيها، من وزراء وعمداء ومنتخبين، ومسؤولين عن الجماعات والحكومات المحلية، والإدارة الترابية، وممثلي مختلف هيئات المجتمع المدني، والكفاءات العلمية والأكاديمية، والمنظمات والجمعيات المهتمة بالشأن المحلي، ستسهم في إيجاد الأجوبة الملائمة، للتحديات المطروحة، واتخاذ التدابير والمبادرات الضرورية، سواء على المستوى الداخلي لكل بلد، أو على صعيد الهيئات  والمنظمات الإقليمية والعالمية.
وإذ نرحب بجميع المشاركين في هذا الملتقى الهام، ضيوفا كراما ببلدهم الثاني المغرب، وبمدينة مراكش العريقة، لندعو الله تعالى أن يكلل أشغالكم بالتوفيق.
 
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".