نص الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في أشغال ملتقى "تكاملات الاستثمار" بالصخيرات

الصخيرات يوم 01/12/2005

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتوجه برسالتنا هاته إلى الندوة الدولية الثالثة للاستثمار مرحبين بكل المشاركين في أعمالها متمنين لهم مقاما طيبا بالمغرب.
وبهذه المناسبة ،نود أن نتوجه بتحياتنا الخاصة لضيف الشرف لهاته الدورة ،دولة الإمارات العربية المتحدة ،احتفاء بما يجمع بلدينا ،من أخوة وتعاون يجسدان ما نتقاسمه معا من مبادئ ورؤى وأهداف توجه عملنا المشترك على الصعيدين الجهوي والدولي.
ومن حسن الصدف أن الدورة الحالية لندوة الاستثمار تنعقد هذه السنة في أجواء تخليد المملكة المغربية للذكرى الخمسينية لاستقلالها، والتي نعتبرها أكثر من ذكرى احتفالية، إذ هي لحظة قوية لرصد المنجزات واستشراف المستقبل.
وبالفعل، فالمغرب انتهج منذ استقلاله، خيارا استراتيجيا قوامه الحرية والتعددية السياسية والانفتاح الاقتصادي برغم ما كان يعرفه العالم الثالث من هيمنة لبعض الايديولوجيات. وهكذا أقرت بلادنا منذ البداية حق الملكية وحرية المقاولة ضمن جملة من الحقوق الأساسية، التي يضمنها الدستور والقانون مركزة جهودها على تشجيع الاستثمار لتوفير الأسس الضرورية لنموه داخليا ولجلب الاستثمارات الأجنبية.
وترسيخا لهذا الاختيار، عملنا على رفع كل العوائق التي تقف في وجه الارتقاء بالاستثمار حيث قمنا بإصلاح مدونة الشغل وأولينا عناية فائقة للحوار الاجتماعي ولإشاعة مناخ اجتماعي سليم وتنافسي. وفضلا عن ذلك فقد أحدثنا المراكز الجهوية للاستثمار مع حث حكومتنا على متابعة العمل الهادف إلى تبسيط المساطر الإدارية وضمان عدالة ناجعة في مجال الأعمال وتحسين الحكامة وأنظمة التدبير.
بيد أن اقتناعنا ظل يكمن في اعتبار الاستثمار هو قبل كل شيء، وسيلة يتعين أن تجد غايتها في العدالة الاجتماعية والتقدم ،وفي التحرر والعيش الكريم، في إطار التماسك الاجتماعي وحماية الوسط الطبيعي واحترام حقوق وتطلعات أجيال المستقبل.
ومن هذا المنطلق ، فإننا نعتبر أن التنمية البشرية والمحافظة على البيئة ينبغي أن تشكل معايير أساسية للاستثمارات ولسياساتنا الاقتصادية ولاستراتيجياتنا في مجال النمو.
وضمن هذا المنظور ،اخترنا الانكباب، بصورة حازمة على فتح أوراش التنمية الاجتماعية ومحاربة الفقر والتهميش في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقناها جاعلين منها ورشا لحكمنا.
حضرات السيدات والسادة،
إننا لجد سعداء بأن نسبغ رعايتنا السامية على هذه الندوة الدولية الهامة ،لأن موضوعها وهو "الاستثمار المسؤول اجتماعيا" يشكل نقطة تقاطع مع اقتناعنا بكون البحث عن النمو الاقتصادي وجلب الاستثمارات يجب أن يكونا أيضا محكومين بمبادئ ومعايير ذات أبعاد نوعية ادراكا منا أن تحقيق هاته الأهداف لا يمكن أن يختزل في اعتماد مؤشرات كمية فحسب بل ينبغي تقديره في ضوء مراعاة قيم أساسية من قبيل احترام القانون والتشريع الاجتماعي وحقوق الإنسان وحماية الطبيعة ومصداقية وشفافية الحكامة مع الأخذ بعين الاعتبار قواعد السوق وحقوق المستهلك.
وفي نفس السياق يتعين تقييم إنجاز تلكم الأهداف بمدى التزام كل فاعل اقتصادي بالتنمية الاجتماعية للمجموعات التي يمارس نشاطه في اطارها.
وانطلاقا من هذه الاعتبارات فان المسؤولية الاجتماعية لايمكن أن تختزل في نوع من التآزر والعمل الخيري لكونها تمثل شرطا أساسيا لضمان المردودية بعيدة المدى والقبول الاجتماعي واستمرارية الاستثمارات والنمو الاقتصادي.
وفي هذا الصدد فاننا نتابع ببالغ الاهتمام تبلور حركة واسعة للاستثمارات والتوظيفات المالية تزاوج بين الأهداف المشروعة للربح وبين اعتماد معايير كونية لا تقل مشروعية عنها تتعلق بالمسؤولية الاجتماعية والتنمية البشرية والمستدامة.
وان المغرب بفضل مالديه من اطار تشريعي واختيارات سياسية واجتماعية ليطمح إلى أن يكون شريكا للمستثمرين المسؤولين اجتماعيا وأن يمثل وجهة جاذبة تعتمد المعايير الاجتماعية والبيئية ومستلزمات الحكامة الأكثر تقدما.
حضرات السيدات والسادة،
ان المسؤولية الاجتماعية للمستثمرين لا تنفصل عن المسؤولية الاجتماعية للمقاولات لانها شرطها ووسيلة تجسيدها . وفي هذا الصدد فاننا ننوه بالمقاولات المغربية التي انخرطت تلقائيا في هذا التوجه الايجابي.
وارتباطا بذلك فان موضوع ندوتكم هاته لمن شأنه أن يسائل الفاعلين العموميين الذين يتعين عليهم أن يعطوا المثال وأن يوفروا آليات التحفيز والمواكبة للاستثمارات والمقاولات المسؤولة اجتماعيا كما أن من شأنه أن يسائل أيضا العمل اليقظ والحيوي للمجتمع المدني في هذا المضمار.
واننا لننتهز هاته المناسبة لتوجيه الاهتمام إلى المسؤولية الخاصة للمستثمرين المؤسساتيين ولاسيما منهم أولئك الذين يضطلعون بتدبير أنظمة التقاعد حيث يتعين عليهم اليوم الاحتكام في توظيفاتهم المالية إلى ضوابط موضوعية تتعلق باحترام المعايير الاجتماعية والبيئية وتهدف إلى الرفع المطرد من مستوى عيش الساكنة وضمان حياة أفضل للاجيال القادمة.
واذ نجدد الترحيب بكم في المغرب ندعو لكم حضرات السيدات والسادة بالتوفيق والنجاح في أشغالكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".