نص الكلمة السامية التي ألقاها جلالة الملك أثناء افتتاح أشغال المجلس الأعلى للقضاء

الرباط يوم 15/12/1999

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه
حضرات السادة أعضاء المجلس الاعلى للقضاء.
بسرور بالغ وابتهاج عميق يسعدنا أن نلتقي بكم ونحن نفتتح هذه الدورة التي يعقدها المجلس الاعلى للقضاء. وهو شعور نابع مما تحظى به هذه الموءسسة الدستورية الموقرة الموضوعة تحت رئاسة جلالتنا ونابع كذلك من الاهمية القصوى التي نوليها للقضاء باعتباره مسوءولية منوطة بأمير الموءمنين يفوض النهوض بها لقضاة باسمه يصدرون الاحكام.
وعلى النهج الذي سلك أسلافنا الميامين والذي وطده والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني أكرم الله مثواه نحن عازمون على متابعة المسير بما تتطلبه هذه المسوءولية من عناية ورعاية على أساس متين من مرجعيتنا الاسلامية الثابتة ومن ثراتنا العلمي الزاخر المتجلي في الرصيد الفقهي والاجتهادي الذي خلفه فقهاء الامة وفي طليعتهم قضاة المغرب على مر التاريخ أولئك الذين اعترف لهم بالتقوى والنزاهة وشهد لهم بالتبريز في أحكام النوازل والقضايا المستحدثة.
واذا كنا نريد استمرار هذه الصورة الاصيلة المشرقة لقضائنا في اطار دعائمه القوية ومرتكزاته الراسخة فاننا نتطلع كذلك إلى أن يكون هذا القضاء متطورا ومتجددا يواكب ما يعرفه العالم المتقدم في مواجهة المشكلات التي يثيرها العصر وتولدها الحضارة الحديثة ويساير ما عقدنا العزم على انجازه باذن الله وما دعونا إلى التعبئة له بمنظور تصحيحي للمسوءولية ومفهوم جديد للسلطة.
لقد أنجزت في عهد والدنا المقدس رضوان الله عليه اصلاحات كثيرة تحث على الاعتزاز والافتخار بما تحقق بها من اطمئنان على سير العدالة في بلادنا وارتياح لمصالح المواطنين في نطاق استقلال القضاء وتنظيم جهازه وتوحيده واعادة هيكلة مختلف أصنافه ودرجاته واحداث محاكم متخصصة واتخاذ تدابير تنظيمية وتشريعية لصالحه وصالح القضاة كي ينهض هذا القطاع الحيوي بدوره في ضمان الحقوق والحريات وفي ترسيخ سيادة الشرعية والقانون وتثبيت دولة الحق والعدل. وهو الدور الذي به يصبح القضاء مكونا فاعلا في التنمية بكل متطلباتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الرغم من كل ماتحقق فاننا نسعى إلى مزيد من التطوير والتحديث حتى نمكن قضاءنا من رفع التحديات التي تفرضها مشارفة الالفية الثالثة مما يقتضي تكوينا مستمرا ومتفتحا يستوجب العناية بالمعهد الوطني للقضاء باعادة هيكلته وتحسين برامجه وتحيين مناهج تأطيره وتجديد طرق عمله. وإن من شأن مثل هذا التكوين أن يوءهل جهازنا القضائي لمواكبة تجدد القوانين العالمية ولكسب ثقة الذين يرغبون في التعامل معنا اضافة إلى كسب ثقة المواطنين.
ورغبة منا في توسيع مجالات التطوير والتحديث قررنا الزيادة التدريجية في عدد المحاكم التجارية كما قررنا احداث محاكم استئناف ادارية في أفق إنشاء مجلس للدولة يتوج الهرم القضائي والاداري لبلادنا حتى تتسنى مواجهة كل أشكال الشطط وحتى يتاح ضمان سيادة الشرعية ودعم الانصاف بين المتقاضين. وإننا لندعو حكومتنا للاسراع لاعداد القوانين المنظمة للمجلس الاعلى والمجالس الجهوية للحسابات باعتبارها اطارا قضائيا قائما لحماية المال العام من أن تمتد إليه أيدي العبث والتسيب واستغلال النفوذ وباستكمال هذا الاطار الشامل لتحديث القضاء وتأهيله وعقلنة تدبير شوءونه وتوفير بنايات لائقة لمحاكمه وإمداده بالوسائل المادية والمعنوية نكون قد عملنا على تفعيله وهيأنا له أسباب القيام بما أنيط به من تحقيق العدالة الاجتماعية.
ومن البديهي أنه لن يحقق القضاء هذا المبتغى إلا اذا ضمنا لهيئته الحرمة اللازمة والفعالية الضرورية بجعل أحكامه الصادرة باسمنا تستهدف الانصاف وفورية البت والتنفيذ وجريان مفعولها على من يعنيهم الامر. على أن تكون هذه الاحكام صادرة عن التطبيق السليم للقانون وفق مقتضيات نصوصه وما يمليه ضمير القاضي بمنأى عن كل أشكال الضغوط المادية والمعنوية وسائر الاعتبارات الذاتية والموءثرات الخارجية.
حضرات السادة.
إن العدالة كما لايخفى هي الضامن الاكبر للامن والاستقرار والتلاحم الذي به تكون المواطنة الحق. وهي في نفس الوقت موءثر فاعل في تخليق المجتمع وإشاعة الطمأنينة بين أفراده وإتاحة فرص التطور الاقتصادي والنمو الاجتماعي وفتح الباب لحياة ديمقراطية صحيحة تمكن من تحقيق ما نصبو اليه من ءامال واذا كان الجميع مطالبا بمضاعفة الجهود وبذل الطاقات لمجابهة المستحدثات المتلاحقة ورفع تحدياتها فان المعول كبير على قضاتنا في حدود اختصاصاتهم الدستورية أن يواصلوا أداء رسالتهم المقدسة بما يتناسب وما تفرضه تعاليم شريعتنا السمحة من عدل وانصاف واستقامة وكرامة وحماية للقانون وتمسك بالفضائل الخلقية السامية التي ينبغي أن تتحكم في السلوك والتي أنتم لاشك مثالها والقدوة..
لهذا فاننا ونحن نوليكم ما أنتم جديرون به من عناية وما هو لائق بكم من مكانة ننتظر منكم - حضرات السادة أعضاء هذا المجلس الموقر - ان تظلوا على ما عودتمونا أسرة ملتئمة يلحمها التناسق والانسجام وأن تستمروا على ما عهدنا فيكم من صدق واخلاص وأن تواصلوا السير على النحو الذي يتفق والمستوى المرموق لموءسسة دستورية تعمل تحت رئاسة جلالتنا حرية بممارسة احدى وظائف الأمامة العظمى طبقا لمبادئنا الاسلامية العريقة الملزمة للقضاة بالتجرد والنزاهة والاستقلال ووفقا للقيم الانسانية المشتركة في مجال الحقوق.واننا لواثقون من أنكم تقدرون هذه المسوءولية حق قدرها وأنكم تحفزا منها ستعالجون مختلف النقط الهامة التي صادقنا عليها مدرجة في جدول أعمال هذه الدورة.
حضرات السادة..
اننا اذ نفتتح بسم الله أشغال مجلسكم الموقر لنود أن نوءكد لكم حسن ظننا وكامل عطفنا وسابغ رضانا داعين الله تعإلى أن يرزقكم عونه وتوفيقه وسداده ويلهمكم الامتثال الدائم للأمر الالهي الوارد في قوله عز وجل.." ان الله يأمركم أن توءدوا الأمانات إلى أهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعإلى وبركاته".