نص الخطاب السامي الذي ألقاه جلالة الملك بالحسيمة

الحسيمة يوم 25/03/2004

" الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
رعايانا الأوفياء سكان مدينة الحسيمة ونواحيها المنكوبة وكافة منطقة الريف العزيزة
شعبي الأبي
يخالجنا شعور مزيج من الأسى العميق والرضى بقضاء الله ونحن نخاطبكم سائلين الله تعالىان يتغمد الضحايا برحمته ويلهم ذويهم الصبر وحسن العزاء، مشاطرين إياكم أحزانكم ومعاناتكم من هول كارثة الزلزال التي لا يعادل فاجعتنا فيها إلا عزمنا الوطيد على تعبئة كل الطاقات لإسعاف منكوبي إقليم الحسيمة وإعادة إعمار منطقة الريف العزيزة.
وقد أبان المغاربة قاطبة بتضامنهم العفوي والملموس انهم شعب يعرف كيف يحول ما يصيبه من نوائب الدهر إلى مصدر قوة وعزيمة لجبر أضرارها ورفع تحدياتها في التحام وثيق بين عرش ملتزم وشعب متميز وأصيل يرفض المتاجرة الدنيئة والاستغلال السياسوي المقيت لمعاناته مما يصيبه من كوارث طبيعية.
ومن منطلق ما عهدته فينا شعبي العزيز من التزام بمصارحتك فاننا قد استخلصنا الجوانب الإيجابية ومواطن الخلل من هذه المحنة معتزين بالتضامن الشعبي ومنوهين بالتعبئة الشاملة لكافة أجهزة الدولة المدنية منها والعسكرية وفعاليات المجتمع المدني والمتطوعين من رعايانا الأوفياء في الداخل والخارج في ظروف جغرافية ومناخية صعبة معربين عن امتناننا للدول والهيآت الشقيقة والصديقة التي آزرتنا في هذا الظرف العصيب.
ومع ذلك يجب ان نصارح انفسنا باننا لسنا موءهلين على الوجه الأكمل لمواجهة الطوارىء وانه برغم ما بذلته الدولة للنهوض بهذه المنطقة فانه يتعين مضاعفة الجهود لفك العزلة عنها والاستثمار الأمثل لما تزخر به من مؤهلات.
وفي هذا السياق أصدرنا تعليماتنا إلى حكومتنا قصد انجاز برنامج استعجالي مضبوط على المدى القصير يتضمن في جانبه العمراني إجراء دراسات ميدانية شاملة، وتحيين المسح الجيو فيزيائي وتحديد مواقع المجموعات السكنية طبقا لضوابط وأسس البناء المضاد للزلازل. وعلى أساس هذا البرنامج القائم على سياسة القرب والمشاركة وعلى معايير موضوعية لجرد الأضرار البشرية والمادية والحاجيات والوسائل يجب توعية المواطنين ومد يد العون لكل أسرة متضررة في المراكز الحضرية والمداشر والدواوير والقرى على وجه الخصوص وتمكينها من تصميم هندسي ووضع خطة مدروسة لمساعدتها التقنية على إعادة بناء منزلها وفق تصاميم تراعي الخصوصيات العمرانية المحلية في التزام تام بتشريعات البناء المضاد للزلازل.
ولهذا الغرض أمرنا بإحداث وكالة حضرية لكل من الحسيمة والناظور، كما يجب التعجيل بترميم وإعادة بناء المرافق العمومية الحيوية كالمدارس والمستشفيات والمساجد.
ومن منطلق منظورنا الاستراتيجي للقضايا الكبرى للأمة فقد أصدرنا تعليماتنا للحكومة قصد الانكباب الفوري على إعداد مخطط تنموي مندمج وهيكلي على المدى المتوسط والبعيد من أجل تأهيل إقليم الحسيمة وإعمار منطقة الريف، وسنقف شخصيا سواء من خلال المتابعة الموصولة أو الوقوف في عين المكان على حسن انجاز البرنامج الاستعجالي واعتماد المخطط المتوسط والبعيد الأمد الكفيل بجعل منطقة الريف التي نوليها عنايتنا الفائقة قطبا للتنمية الحضرية والقروية في جهة الشمال مندمجا في النسيج الاقتصادي الوطني.
وعلى هذا المخطط الذي ينبغي ان يرفع إلى نظرنا السديد في أقرب الآجال ان يتضمن مشاريع مضبوطة في أهدافها ووسائل تمويلها وآجال انجازها وتقييمها لتمكين المنطقة من التجهيزات الأساسية المائية والكهربائية والطرقية الكفيلة بفك العزلة عنها وربطها بالشبكة الوطنية عبر محور فاس - الحسيمة والاسراع بانهاء المدار الطرقي المتوسطي، مع إيلاء أهمية خاصة لتشجيع الاستثمارات والمشاريع التنموية المدرة لفرص الشغل خاصة في قطاعات السياحة والصيد البحري وبناء اقتصاد فلاحي عصري ومنتج.
واننا لعازمون على وضع حد للتسيب ولكل إخلال أو تهاون أو تقصير في تحمل السلطات العمومية والمنتخبة مسؤوليتها الكاملة في التطبيق الصارم للقوانين المتعلقة بقواعد البناء المضاد للزلازل ولكل الممارسات غير المشروعة التي يوءدي بلدنا بأكمله ثمنها الباهظ كلما أصابته كارثة طبيعية والتي تعد بما ينجم عنها من سكن مهين بوءرة لكل الآفات الاجتماعية. وعملا بقول جدنا المصطفى عليه الصلاة والسلام " أعقلها وتوكل نصدر توجيهاتنا إلى الحكومة والبرلمان قصد العمل خلال دورة الربيع على إقرار تشريعات لمحاربة وتجريم المخالفات المشجعة على السكن العشوائي أو المخلة بضوابط البناء المضاد للزلازل.
وستجد شعبي العزيز خديمك الأول في طليعة العاملين في السراء والضراء في التزام بروح المواطنة المسؤولة لبناء مغرب الديمقراطية الحقة والتضامن الإرادي والتنمية المندمجة وصون وحدته وعزته ضارعين إلى الله سبحانه ان يحفظ بلدنا الآمن من كل مكروه.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".