نص الخطاب الملكي الذي وجهه صاحب الجلالة إلى القمة ال 31 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الافريقي المنعقدة بنواكشوط

نواكشوط يوم 01/07/2018

في ما يلي نص الخطاب الملكي الذي تلاه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي السيد ناصر بوريطة…
 

“الحمد لله،

والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

أصحـاب الفخامة والمعالي رؤساء الدول والحكومات،

معالي السيـد رئيـس مفـوضيـة الاتحـاد الإفـريقـي،

أصحـاب المعـالـي والسعـادة،

حضـرات السيـدات والسـادة،

 

من المعاني التي ينطوي عليها الانتماء إلى إفريقيا اليوم، العيشُ على أرض تشكل فضاء خصبا للكفاءات والمواهب، في أكثر من مجال، بما يؤهلها لاختصار بعض المراحل على درب التقدم، وتسريع وتيرة التنمية بالاستغلال الرشيد لمواردنا.

وفي هذا الصدد، فإن إنشاء منطقة التبادل الحر القارية سيوفر لنا إطاراً متميزاً لتنشيط المبادلات، حيث سيمهِّد السبيل لإرساء تنميتنا الاقتصادية على أسس راسخة، ضمن فضاء مندمج، ويمكِّن من تعزيز القدرة التنافسية لإفريقيا، بفضل ما يزخر به هذا الفضاء من إمكانات واعدة، تتمثل في أزيد من مليار مستهلك.

كما أن من شأن عملية الإصلاح المؤسساتي والمالي، التي أطلقها بكل شجاعة أخونا فخامة الرئيس بول كاغامي، أن تضع قارتنا على المسار الصحيح، الذي سيمكِّن من إحداث تحول كبير ومستدام، لا رجعة فيه.

ويجسد هذا المشروع الطموح وعياً حقيقياً، يدعونا للإسراع ببناء مؤسسات فعّالة، تعتمد آليات الحكامة المثلى، وتكفل الشروط اللازمة للقطع مع دوامة الفقر، ولتمتين الأسس الضامنة لانبثاق إفريقيا كقوة صاعدة، في كل خطوة تخطوها.

 

أصحاب الفخامة والمعالي،

حضرات السيدات والسادة،

 

لا يخفى علينا جميعاً أن هذه الدينامية المتواصلة، لا تستطيع أن تحجب واقع الحال، الذي يظل دون ما نطمح إليه. فكم من العراقيل والصعوبات لا تزال تقوِّض الجهود المبذولة، من أجل الارتقاء بقارتنا إلى مصاف القوى الصاعدة.

وتشكِّل آفة الفساد، التي ما فتئت تنخر كيان مجتمعاتنا، إحدى العقبات الرئيسية التي تنتصب في طريقنا. وقد أحسنت قمتنا باختيارها لهذه المعضلة موضوعاً رئيسياً لأشغالها.

إن مشكلة الفساد لا يمكن اختزالها فقط في بعدها المعنوي أو الأخلاقي.

فالفساد ينطوي أيضاً على عبء اقتصادي، يُلقي بثقله على قدرة المواطنين الشرائية، لا سيما الأكثر فقراً منهم. فهو يمثل 10 بالمائة من كلفة الإنتاج في بعض القطاعات الاقتصادية.

وعلاوة على ذلك، يساهم الفساد في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظَّمة، وانعدام الأمن والإرهاب.

وفي المقابل، لا يمكن أن نغفل ما نلاحظه في شتى الميادين، من مؤشرات إيجابية، وجهود حثيثة في مجال التصدي لهذه الآفة. فالتدابير المتخذة في هذا الشأن، ما فتئت تعطي ثمارها، وتحقق مكاسب مهمة على أرض الواقع.

ففي خضم المعركة المتواصلة، دون هوادة، في مواجهة الفساد، تحرز بعض بلدان قارتنا، وهي كثيرة، نتائج تضاهي أحياناً ما تحققه بعض الدول الأكثر تقدماً. وبالتالي، فهي نماذج تحفِّزنا جميعاً على أن نحذو حذوها في هذا المضمار.

كما أن من شأن الإصلاحات المؤسساتية الجارية، داخل الاتحاد الإفريقي، أن تساهم بنصيبها في انبثاق ثقافة للتصدي لهذه الآفة.

 

أصحاب الفخامة والمعالي،

حضرات السيدات والسادة،

 

لقد أدركت المملكة المغربية بدورها ما للفساد من آثار مدمِّرة، فآلت على نفسها ألا تدخر جهداً في سبيل القضاء عليه.

فبعدما صادق المغرب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في سنة 2007، قام بتطوير ترسانته المؤسساتية والقانونية ذات الصلة، حيث تمت ملاءمتها مع المعايير الدولية في هذا المجال.

وسعياً إلى توحيد هذه الجهود وتنسيقها، اعتمدت المملكة المغربية، منذ سنة 2015، استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وأحدثت لجنة وطنية أُسنِدت إليها مهمة السهر على تنزيل أهداف هذه الاستراتيجية.

وتهدف هذه الاستراتيجية، التي يمتد تنفيذها على مدى عشر سنوات، إلى تغيير الوضع بشكل ملموس ولا رجعة فيه، في أفق 2025، وتعزيز ثقة المواطنين، وتوطيد ثقافة النزاهة في عالم الأعمال وتحسين مناخه، مع ترسيخ موقع المملكة على الصعيد الدولي.

وبعدما ارتقى الدستور بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إلى مصاف المؤسسات الدستورية، تم مؤخراً توسيع اختصاصاتها، وتعزيز مهمتها في مجال التتبع.

وستساهم هذه المؤسسة، حسب نص قانونها الجديد، في تدعيم العمل متعدد الأبعاد، الذي تقوم به كل من الحكومة والسلطة القضائية في هذا المجال.

 

أصحاب الفخامة والمعالي،

حضرات السيدات والسادة،

 

ليست إفريقيا الأمس هي إفريقيا اليوم.

ومن ثَم، تستدعي مكافحة هذه الآفة الاستفادة من جميع التجارب والخبرات، في إطار رؤية موحدة ينخرط فيها جميع الشركاء. ولا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى شكل جديد من أشكال الهيمنة والضغط.

لقد ولى الزمن الذي كانت فيه إفريقيا عبارة عن ثغور ومحميات تجارية لنهب خيراتها.

فالفساد معضلة لا تنفرد بها إفريقيا وحدها دون غيرها. فهو ظاهرة عالمية تشمل بلدان الشمال وبلدان الجنوب، على حد سواء، وقد تقوض الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي أقرتها المجموعة الدولية.

ولا يسعنا إلا أن نستبشر خيراً بما نلمسه اليوم، من وعي جماعي وإرادة حازمة، سيمكِّنان من احتواء هذه الظاهرة والحد من انتشارها.

 

أصحاب الفخامة والمعالي،

حضرات السيدات والسادة،

 

إن الفساد ليس قدراً محتوماً على إفريقيا.

وبالتالي، ينبغي أن نضع محاربته في صميم أولوياتنا، طالما أنه يشكِّل أكبر عقبة تعيق جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحد من طموح شبابنا.

فمصلحة شعوبنا تقتضي، إذن، تحصين جميع الفاعلين في مجتمعاتنا من هذه الآفة، وتعزيز روح المسؤولية لديهم.

ولا سبيل إلى إنجاح هذا الورش، إلا من خلال التزام سياسي صادق، ما دام التصدي للفساد ممكناً، إن تضافرت حوله الجهود المخلصة على مستوى العمل الحكومي، وعلى صعيد المشاركة المدنية.

فلا بد من اعتماد التنسيق الدائم بين مختلف الفاعلين، من أجل مواصلة هذه المعركة، وكسب رهان الإصلاحات المؤسساتية، التي تم إطلاقها. ذلكم هو السبيل الكفيل بضمان انخراط الجميع في هذا النهج، وتعزيز سلطة منظمتنا.

وتحقيقاً لهذه الغاية، يتعين علينا ربط الأقوال بالأفعال، في كل لقاء من لقاءاتنا.

وإني لعلى يقين أن فخامة الرئيس محمد بوهاري، سيطبع هذه المرحلة الجديدة ببصمته المميزة. فأنا أعرف صدق عزمه وقدرته على الإقناع وعلى تقريب الرؤى، من أجل توفير الزخم اللازم لرصد كل أشكال الفساد والممارسات المرتبطة به على جميع الأصعدة.

إن كسب هذه المعركة سيساهم في إعادة تشكيل الصرح الإفريقي، الذي نطمح إلى تسليمه أمانةً لأبنائنا: صرح يقوم على دعائم السلم والرخاء والتضامن.

 

أشكركم على حسن إصغائكم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.